هل بإمكان بوتفليقة القضاء على الفساد ؟
إنه سؤال يبدو وجيها حتى و إن كانت الإجابة عليه تبدو واضحة بالنظر إلى حصاد السنوات العشر التي قضاها الرجل على رأس هرم السلطة ، ولكن لمعرفة الإجابة الصحيحة دعونا نستعرض مواقف وتصريحات الرجل خول فيروس الفساد ، وما هي الإجراءات التي اتخذت للحد من هذه الظاهرة الحطيرة بكل المقاييس ،
فقد شدد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في خطاب ألقاه قبل أيام فقط بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة في الجزائر، على أن الدولة تقف (بكل حزم ضد الفساد بجميع صوره وأشكاله وقد أعددنا من الآليات التشريعية والتنظيمة التي ستعزز قريبا بتنصب لجنة وطنية لهذا الغرض ولا بد من أن ينال كل ذي مفسدة جزاءه على يد القضاء وطبقا لقوانين الجمهورية).
وتحدث فخامته عن فضائل العدل الذي به (يتعافى المجتمع من كل الآفات المنغِّصة عليه حياته والمثبطة لتقدمه وتطوره من أنانية ومحسوبية ورشوة وفساد ونهب وسلب وتعد واغتصاب ويصبح الإنسان في غنى عن المخاصمات والاحتجاجات التي ليست في حقيقتها وماهيتها سوى وسيلة للمطالبة بالعدل).
ثم نوّه باجتهاد (السلطة القضائية في الجزائر للوقوف بالمرصاد ضد جرائم الفساد وما يوفره إصلاح العدالة عندنا من ضمانات للمحاكمة العادلة بجميع المقاييس المتعارف عليها في الاتفاقيات والعهود الدولية).
كلام حلو وجميل ومضحك أيضا، وقد اتخذ منه أيوب رسام صحيفة (الخبر) إحدى كبريات الصحف الجزائرية مادة للتندر والسخرية لثلاثة أو أربعة أيام متتالية.
وهو رد فعل قد يتشارك فيه السواد الأعظم من الجزائريين الذين يعلمون علم اليقين أن أحاديث المسؤولين عن محاربة الفساد صار أشبه بالحديث عن تحويل الصحراء القاحلة إلى جنة خضراء. الجزائريون يعلمون علم اليقين أن الفساد سيظل قدرهم الملازم لهم أبدا، وزواله لن يكون إلا بطريقة واحدة ووحيدة هي زوال نظام الحكم السائد في البلد منذ سبعة وأربعين عاما، وهو أمر أصعب من الأول إن لم يكن مستحيلا.
فالنظام الجزائري لم يكتسب يوما شرعية شعبية له بل ظل مسيطرا وجاثما على أنفاس الشعب، وقد أدرك منذ البداية أنه يستحيل عليه أن يعمّر إذا حاول أن يقترب من طرق الحكم الديمقراطية والشفافة والشرعية، لذلك فلم يكن أمامه إلا أن يعتمد الفساد الإداري والسياسي منهجا عمليا دائما حتى أصبح مقتنعا تماما أن أية محاولة لخلخلة أو زعزعة قواعد الفساد أو حتى التخفيف من وطأتها ستؤدي به لا محالة إلى الزوال.
ومن الأقوال المأثورة عن الرئيس بومدين أيضا قوله مخاطبا رفاقه في الحكم ومن دونهم (يستحيل على الذي يشتغل في العسل أن لا يتعسل)، لكنه نصحهم أن يكون ذلك لحسا خفيفا فقط.
وقد صرحت زوجته وعدد من رفاقه أنه قد جدد النية (كما فعل بوتفليقة قبل أيام) وعزم على قطع دابر الفساد من أعلى مستوى إلى أدناه، لكن أجله عاجله، بل هناك من يردد أنه مات تحت تأثير سم مجهول المصدر والهوية.
فخامة الرئيس بوتفليقة ليس حديث عهد بالتطرق إلى موضوع مكافحة أو محاربة الفساد، ولا حتى من سبقه من الرؤساء، فقد أصدر في شباط/فبراير 2006 قانونا ينص على تشكيل هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومحاربته، لكنها لم تر النور لحد الآن، وهذا ما جعل عددا من المعلقين يتساءلون عن سر الحديث عن تأسيس لجنة جديدة لمحاربة الفساد والأولى لم تر النور منذ أزيد من ثلاث سنوات.
وقد تأسست قبل ذلك لجنة أخرى لكن لا أحد سمع عنها شيئا ما عدا الإعلان عن تأسيسها ثم تجميد نشاطها.
والعجز المستمر عن تشكيل ما يسمى الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومحاربته لا يمكن أن يكون له إلا تفسير من اثنين، فإما أن الفساد لا وجود له في الجزائر من قمة هرمها إلى أخمص قدمي قاعدتها فصار الكلام عن الفساد ومحاربته أمرا لا معنى له وهذا أمر مستبعد جدا ، أو أن الفساد مستشر في كل البلد فصار العثور على رجال أو نساء يشكلون هذه الهيئة أصعب من البحث عن إبرة في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب.
هناك التفسير الطبيعي لهذا العجز، لكنه تفسير لا يرضاه الحاكم، وهو أن الفساد صار محكما قبضته على دواليب الدولة وأي تحرك جدي من أجل القضاء عليه لن يعود إلا بالوبال على المغامر. مع مرور الوقت صار الفاسدون المفسدون المتحكمون في البلد لا يتحرجون من كلام يصدر من هنا أو هناك يندد بالفساد ويتوعد أهله بالويل والثبور، بل أصبح هناك كلام عن اتفاق ضمني بين الفساد والحاكم، أن يقول الحاكم ما يشاء في موضوع الفساد شريطة أن لا يتعدى الكلام خطوة واحدة إلى الأمام.
وللمرء أن يتخيل شلة الفساد من صغيرها إلى كبيرها تتمرغ ضحكا وهي تسمع كلاما يشبه كلام فخامته عن محاربة الفساد، وما دام هناك اعتقاد راسخ لدى هؤلاء أن الشعب يسهل تنويمه بكلام معسول مدغدغ، فلا بأس من إرخاء الحبال الصوتية من فترة لأخرى لممارسة هذه المهمة ومحاولة استرجاع شيء من المصداقية الضائعة للنظام الحاكم.
مجمل تقارير المنظمات الدولية الرسمية منها وغير الحكومية تشير إلى أن الداء خلخل الجسد الجزائري، وأن السلطة بقوانينها وممارساتها تتولى مهمة التستر عليه وحمايته، وهو ما يراه الجزائري يوميا ويعيشه ويعتقده.
الفساد تحول إلى عملة وطنية لا يمكن لشخص قضاء مأرب له إلا بتداولها، فلا الطامح في منصب إداري أو سياسي من القمة إلى القاعدة يمكنه تحقيق حلمه إلا بالانخراط في منظومة الفساد الوطنية، ولا المواطن المغلوب على أمره يمكنه قضاء حاجته بل الحصول على حقوقه من عيش وكرامة وعمل وسكن إذا لم يجد له مدخلا إلى ذلك النفق المظلم.
أما الذين يصرون على البقاء خارج الدائرة فإنهم في الغالب هم الذين تمسهم النار ويتعرضون للمحاربة والمطاردة...................... [ يتبع ]