لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
التهمت النار قاعدة القدر. فمحت لونه الفضي الجميل و كسته بوشاح أسود. كادت فقاعات الماء تقفز فرحا إلى ساحة المطبخ المكتظ أوساخامحاولة بلوغ فوهة القدر.
أما الطفل الجائع فما انفك عن الصراخ. كان يرمق طعامه في الرضاعة يتنطط من فوق فقاعات الماء. يداه كادتا تنفصلان عن باقي جسده و هو يحاول عبثا مسك طعامه من فوق النار. الجوع يكاد يذهب بأحشائه الفارغة.
أما والدته الحنون فكانت منهمكة بين صفحات "الفايس بوك" منشغلة بأخبار الثورةالأخبار منتشرة هنا و هناك . وهي كالصحافية البارعة التي تتقن فرز الخبر الغث من السليم تنتقل برشاقة بين الصفحات.
هذه حال "أرجوان" منذ أن شبت نيران الثورة في الوطن العربي تمضي يومها وراء الحاسوب بين صفحات"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بوك". فتهاونت عن عملها إلى أن تشابكت مع مديرها و اشتدت الخصومة بينهما لحظة نعتته بالجاهل السياسي .فطردها من عملها . و ما زاد الطين بله خصوماتها المتعددة مع زوجها إثر إهمالها لشؤونها المنزلية .
الابن يكاد يفقد صوته وهي ساهية عنه . تهدئه بين الفينة و الأخرى بأغنية تنبئ بقدومها. لكن الجوع أدركه . و فقد الرضيع صبره.
الأخبار العاجلة تتهافت . فهذه الصفحة تقول بأن خمسة رجال قتلوا إثر مظاهرة في "الرقاب" و الصفحة الأخرى تقول أنهما رجلان اثنان و الأخرى تفند الأخبار السابقة و تؤكد أن لا وجود لقتلى في ساحة المظاهرة0 يداها ترتعشان تقرأ و "تعلق" و الرسائل من عند الصديقات بدأت تتوافد و كل واحدة منهن تقص ما حملته جعبتها من حكايات.
الطفل يكاد يفقد صوته. لم يعد يطيق صبرا. حاول عبثا الخروج من قفصه فلم يقدر. استشاط غيظا فانهال عليه بسواعده يزلزل أركانه يمنة و يسرة إلى أن سقط أرضا.
كان الألم شديدا جراء الوقعة لكنه لم يكن أشد من حرق الجوع . أحس بنصر كبير. ثنى أطرافه.و حبا إلى أن أصاب مبتغاه. أمسك الدولاب ثم انتصب واقفا. يداه الصغيرتان لم تبلغ الحليب. فأعاد نفس الحيلة التي استطاع بها الفرار من قفصه
سمعت الأم دوي صرخة اصطكت لها جدران البيت تلتها وقعة لشيء ما. انتفضت من مكانها ثم صرخت:"ابني"
فهرعت إلى المطبخ لتجد ابنها غارقا في دمائه