من أراد اصطفاء محبوب ، المحبوب نوعان : امرأة يقصد منها حسن الصورة ، و صديق يقصد منه حسن المعنى .
فإذا أعجبتك صورة إمرأة فتأمل خلالها الباطنة مديدة قبل أن يتعلق القلب بها تعلقاً محكماً ، فإن رأيتها كما تحب ـ و أصل ذلك كله الدين كما قال : عليك بذات الدين ـ فمل إليها . و كن في ميلك معتدلاً ، فإنه من الغلط أن تظهر لمحبوبك المحبة ، فإنه يشتط عليك ، و تلقى منه الأذى من التجني و الهجران و الإدلال و طلب الإنفاق الكثير, و إن كانت تحبك , لأن هذا إنما يجتلبه حب الإدلال و التسلط على المقهور .
و ثم نكتة عجيبة ، و هو أنك ربما عملت بمقتضى الحال الحاضرة ، و هي تحكم بكمال الحب ، ثم إن ذلك لا يثبت إليك فتقع و تبقى مقهوراً ، و يصعب عليك الخلاص ,
و ربما تمكنت بمعرفة سرك أو بأخذ كثير من مالك .
و من أحسن ما بلغني في هذا أن جارية لبعض الخلفاء كانت تحبه حباً شديداً ، و لا تظهر له ذلك ، فسئلت عن هذا ، فقالت : لو أظهرت ما عندي فجفاني هلكت ، قال الشاعر :
لا تظهرن مودة لحبيب فترى بعينك منه كل عجيب
أظهرت يوماً للحبيب مودتي فأخذت من هجرانه بنصيبي
و هكذا ينبغي أن تكتم بعض حبك للولد ، لأنه يتسلط عليك ، و يضيع مالك ، و يبالغ في الإدلال ، و يمتنع عن التعلم و التأدب .
و كذلك إذا اصطفيت صديقاً و خبرته ، فلا تخبره بكل ما عندك ، بل تعاهده بالإحسان كما تتعاهد الشجرة ، فإنها إذا كانت جيدة الأصل حسنت ثمرتها بالتعاهد ، ثم كن منه على حذر فقد تتغير الأحوال ، و قد قيل :
إحذر عدوك مرة و احذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكان أدرى بالمضرة