من الأمور التي تخفي على العاقل أن يرى أنه متى لم تكن عنده إمرأة أوجارية يهواها هوى شديداً أنه لا يلتذ في الدنيا . فإذا صور محبوباً مملوكاً تخايل لذة عظيمة . و إذا كان عنده من لا يميل إليه إعتقد نفسه محروماً .
و هذا أمر شديد الخفاء . فينبغي أن يوضح . و هو أن المملوك مملول .
و متى قدر الإنسان على ما يشتبه مله و مال إلى غيره .
تارة لبيان عيوبه التي تكشفها المخالطة فإنه قد قال الحكماء : العشق يعمي عن عيوب المحبوب .
و تارة لمكان القدر عليه ، و النفس لا تزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه .
ثم لو قدرنا دوام المحبة مع القدر فإنها قد تكون و لكن ناقصة بمقدار القدرة ، و إنما بقوتها تجني المحبوب . فيكون تجنبه كالإمتناع ، او إمتناعه من الموافقة .
فإذا صفا فلا بد من اكدار ، منها الحذر عليه ، و منها قلة ميله إلى هذا العاشق . و ربما يتكلف القرب منه ، و يعلم الإنسان بقلة ميل محبوبه إليه فينغص بل يبغض .
فإن خاف منه خيانة إحتياج إلى حراسة فقويت النغص .
و أصلح المقامات التوسط ، و هو إختيار ما تميل النفس إليه و لا يرتقي إلى مقام العشق ، فإن العاشق في عذاب . و إنما يتخايل الفارغ من العشق إلتذاذ العاشق و ليس كذلك . فإنه كما قيل :
و ما في الأرض أشقى من محب و إن وجد الهوى عذب المذاق
تراه باكياً في كل و قت مخافة فرقة أو لا إشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم و يبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عن التداني و تسخن عينه عند الفراق