من أعظم الغلط الثقة بالناس و الاسترسال إلى الأصدقاء ، فإن أشد الأعداء و أكثرهم أذى الصديق المنقلب عدواً ، لأنه قد اطلع على خفي السر .
قال الشاعر :
احذر عدوك مرة و إحذر صديقك ألف مرة
فلربما إنقلب الص ديق فكان أعلم بالمضرة
و إعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم ، أو الغبطة و حب الرفعة ، فإذا رآك من يعتقدك مثلاً له و قد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر و ربما حسد .
فإن إخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس جرى لهم ما شأنهم .
فإن قلت : كيف يبقى الإنسان بلا صديق ؟ قلت لك أتراك ما تعلم أن المجانس يحسد ، و أن أكثر العوام يعتقدون في العالم أنه لا يبتسم ، و لا يتناول من شهوات الدنيا شيئاً ، فإذا رأوا بعض انبساطه في المباح هبط من أعينهم فإذا كانت هذه حالة العوام ، و تلك حالة الخواص ، فمع من تكون المعاشرة ؟
لا بل و الله ما تصح المعاشرة مع النفس لأنها متلونة ، و ليس إلا المداراة للخلق و الإحتراز منهم ، و اتخاذ المعارف من غير طمع في صديق صادق ، فإن ندر فليكن غير مماثل ، لأن الحسد إليه أسبق ، و ليكن مرتفعاً عن رتبة العوام غير طامع في نيل مقامك .
و إن كانت معاشرة هذا لا تشفي لأن المعاشرة ينبغي أن تكون بين العلماء للمجانس ، فلزمهم من الإرشادات في المخالطة ما تطيب به المجالسة ، و لكن لا سبيل إلى الوصال .
و مثل هذه الحال أنك إن إستخدمت الأذكياء عرفوا باطنك ، و إن إستخدمت الأبله إنعكست مقاصدك .
فإجعل الأذكياء لحوائجك الخارجة ، و البله لحوائجك في منزلك لئلا يعلموا أسرارك ، و أقنع من الأصدقاء ، بمن وصفته لك ، ثم لا تلقه إلا متدرعاً درع الحذر ، و لا تطلعه على باطن يمكن أن يستر عنه ، و كن كما يقال عن الذئب :
ينام بإحدى مقلتيه و يتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع