الإيثـــــــار
"وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"
الإيثار لغة: الإيثار مصدر قولهم آثره عليه يؤثره إيثارا بمعنى فضّله وقدّمه ، والمآثر ما يروى من مكارم الإنسان ، وفي التّنزيل: لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (يوسف/ 91). وآثر أن يفعل كذا: فضّل وقدّم، وضدّه الأثرة من قولهم استأثر بالشّيء انفرد به أو اختصّ به نفسه، وفي الحديث: قال صلّى اللّه عليه وسلّم للأنصار: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا». واصطلاحا: قال القرطبيّ: الإيثار هو تقديم الغير على النّفس في حظوظها الدّنيويّة رغبة في الحظوظ الدّينيّة، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين وتوكيد المحبّة، والصّبر على المشقّة. قال الغزاليّ: « الإيثار أعلى درجات السّخاء » وقيل من اعطى البعض وابقى البعض فهو صاحب السخاء ومن اعطى الاكثر وابقى لنفسه شيئا فهو صاحب الجود والذى قاسى الضراء وآثر غيره بالبلغة فهو صاحب الايثار. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي فَقَالَ هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " صحيح البخاري " وروي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ : إِنَّ أَخِي فُلاناً وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا قَالَ : فَبَعَثَ إلِيَه ِفَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِداً إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَة أَبْيَات . ومن الإيثار ما حكى عن حذيفة العدوى أنه قال انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي في القتلى ومعي شيء من الماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته فإذا أنا به بين القتلى فقلت له أسقيك فأشار إلي أن نعم فإذا برجل يقول آه فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه واسقه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار إلي أن نعم فسمع آخر يقول آه فأشار إلي أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات . وذكر عن الواقدي: أنه قال: أضقت إضاقة شديدة، وهجم شهر رمضان، وأنا بغير نفقة، فضاق ذرعي بذلك، فكتبت إلى صديق لي علوي، أسأله أن يقرضني ألف درهم، فبعث إلي بها في كيس مختوم، فتركتها عندي... فلما كان عشي ذلك اليوم ، وردت علي رقعة صديق لي، يسألني إسعافه لنفقة شهر رمضان، بألف درهم، فوجهت إليه بالكيس بخاتمه.فلما كان في الغد، جاءني صديق الذي اقترض مني، والعلوي الذي اقترضت منه، فسألني العلوي عن خبر الدراهم، فقلت: صرفتها في مهم. فأخرج الكيس بختمه، وضحك، وقال: والله لقد قرب هذا الشهر وما عندي إلا هذه الدراهم، فلما كتبت إلي، وجهت بها إليك، وكتبت إلى صديقنا هذا، أقترض منه ألف درهم، فوجه إلي بالكيس، فسألته عن القصة، فشرحها، وقد جئناك لنقتسمها، وإلى أن ننفقها يأتي الله بالفرج. قال الواقدي: فقلت لهما، لست أدري أينا أكرم، فقسمناها، ودخل شهر رمضان، فأنفقت أكثر ما حصل منها، وضاق صدري، وجعلت أفكر في أمري ... فبينما أنا كذلك، إذ بعث إلي يحيى بن خالد البرمكي في سحرة يوم، فصرت إليه.فقال: يا واقدي، رأيتك البارحة فيما يرى النائم، وأنت على حال دلتني على أنك في غم شديد وأذى، فاشرح لي أمرك.فشرحته، إلى أن بلغت حديث العلوي، وصديقي والألف درهم، فقال: ما أدري أيكم أكرم، وأمر لي بثلاثين ألف درهم، ولهما بعشرين ألف، وقلدني القضاء. اللَّهُمَّ إِنى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ