يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن
يكون مستعداً ، و لا
يغتر بالشباب و الصحة ، فإن أقل من يموت الأشياخ ، و أكثر من
يموت الشبان و لهذا
يندر من يكبر ، و قد أنشدوا :
يعمر واحد فيغر قوماً
و ينسى من يموت من الشباب
و من الإغترار طول الأمل ، و ما من آفة أعظم منه ، فإنه لولا
طول المل ما وقع إهمال أصلاً . و إنما يقدم المعاصي و يؤخر التوبة لطول الأمل و
تبادر الشهوات ، و تنس الإنابة لطول الأمل . و إن لم تستطع قصر الأمل ، فإعمل عمل قصير
الأمل و لا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك ، فإن رأيت زلة فامحها بتوبة . أو
خرقاً فارقعه بإستغفار ، و إذا أصبحت فتأمل ما مضى في ليلك . و إياك و التسويف فإنه
أكبر جنود إبليس :
و خذ لك منك على
مهله و مقبل عيشك لم يدبر
و خف هجمة لا تقيل العثا
ر و تطوي الورود على المصدر
و مثل لنفسك أي
الرعيل يضمك في حلبة المحشر
ثم صور لنفسك قصر العمر ، و كثرة الأشغال ، و قوة الندم على التفرط
عند الموت ، و طول
الحسرة على البدار بعد الفوت .
و صبور ثواب الكاملين و أنت ناقص ، و المجتهدين و أنت متكاسل ، و لا
تخل نفسك من موعظة تسمعها ، و فكرة تحادثها بها ، فإن النفس كالفرس المتشيطن إن
أهملت لجامه لم تأمن أن يرمي بك . و قد و الله دنستك أهواؤك ، و ضيعت عمرك
.
فالبدار في الصيانة ، قبل تلف الباقي بالصبانة . فكم تعرقل في فخ الهوى جناح حازم
، و كم وقع في بئر بوار مخمور . و لا حول و لا قوة إلا الله
.