[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في ربيع سنة 1924 وبالتحديد في 19 أفريل 1924 إزدان فراش العلامة الشيخ سي محمد بودية بمولود أسماه محمدًا تبركا بسيد الخلق عليه أطيب الصلوات وأزكى السلام. وكان محمدًا أوسط إخواته في ترتيب الأسرة المتكونة من ثلاثة أولاد وبنت واحدة, كانت هذه العائلة ميسورة الحال ومتشبعة بأصالتها ودينها الإسلامي الحنيف , حيث كان جميع أفراد الأسرة من حفظة القرآن الكريم , وكان منزلهم عبارة عن زاوية يأم لها الفقراء والمتسولون وكانت كما يطلق عليها بالعامية " خيمة ربي " الشيئ الذي أضفى صفة البساطة والكرم على حياتهم الإجتماعية والعلم والتدين على حياتهم الثقافية , في هذا الجو تربي الصبي محمد , حيث عند نعومة أظافره بدء والده تلقينه أبجدية لغة القرآن وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف , حيث إلتحق بالمدرسة القرآنية التي كان يشرف عليها والده إذ أبدى قدرة كبيرة في حفظ القرآن ومع إنشاء أول مدرسة إبتدائية فرنسية بالمنطقة(سيدي سعادة مركز ) في بداية الأربعينيات إلتحق بها , ولكن تعلقه الشديد بالمبادئ الإسلامية جعلته يتركها ويواصل تعليمه القرآني إذ سافر إلى جهات مختلفة بالغرب الجزائري وتحديدا بمنطقة سيدي بلعباس إذ أستقر به الأمر بمسجد دوار " الغرابة " ثم إنتقل بعد ذلك إلى نواحي مدينة عين تموشنت وكانت هذه التنقلات جد مثمرة في تكوين شخصيته , إذ من خلالها تعرف بعدة مشايخ وعلماء وكان شديد التلهف للعلم والمعرفة خاصة علوم الدين . كما كانت هذه السفريات مناسبة كونت له معارف وعلاقات مع شخصيات أصبح لها شأن عظيم عند إندلاع الثورة التحريرية التي بدء التنظيم لها وقتها في السرية . إذ نذكر من بين رفقائه في الدراسة العقيد عثمان والعقيد سي خليل وكذا المرحوم الطيبي العربي الذي أصبح وزيرًا للفلاحة بعد الإستقلال وبعد نسج الخيوط الأولى للثورة التحريرية المجيدة ,إنتقل " سي نورالدين " إلى منطقة "مزغران" قرب مستغانم أين واصل تعليمه القرآني وكذا تكونه النضالي والسياسي , بعدها حط به الرحال بمنطقة وادي الخير وبالضبط بمزرعة " الطرش " أين بدء فعليا في التخطيط للثورة حيث تم تشكيل خلية سرية قامت رفقة مجموعات أخرى بالمكان المسمى " نقطة الصفر " بالإنطلاقة الفعلية للثورة التحريرية الخالدة ... ومن ثم عاد إلى مسقط رأسه بدوار "أولاد الشيخ" عرش بني غدو بلدية سيدي سعادة أين كلف بتشكيل خلية سرية رفقة المجاهد : وذان الطاهر المدعو "فارس" كانت تضم المجاهدين الآتية أسماؤهم : - بوخلوة عبدالقادر – عون عبدالقادر – محمد ولد قويدر السجراري – مقدم أمحمد ولد بن احمد السجراري إضافة إلى إخواته – بودية عبدالقادر وبودية أحمد وبدءت هذه المجموعة تنشط في محيط الولاية الخامسة بالمنطقة الرابعة للناحية الخامسة ( سيدي سعادة – القلعة – يلل – سجرارة ) .
وفي آواخر سنة 1955 وبداية سنة 1956 إلتحمت هذه المجموعة مع باقي المجموعات ودخلت في الكفاح المسلح ضد العدو. و من خلال وشاية ألقي القبض على مجاهدتين بمزرعة الطرش بمنطقة واد الخير عمالة مستغانم , وعند سماع"سي نورالدين" هذا الخبر أشعر بملاحقته من طرف المستعمر حيث قامت القوات الفرنسية المحتلة بعملية تمشيط لدوار أولاد الشيخ وقاموا بتفتيش وتدمير المنزل العائلي "لسي نورالدين" الأمر الذي جعله ورفاقه يصعدون من عملياتهم الفدائية إذ في فترة وجيزة قامت مجموعة بقطع أعمدة الهاتف بين يلل والقلعة وكذلك عملية حرق المدرسة الإبتدائية الفرنسية بسيدي سعادة مركز إضافة إلى عملية وضع كمين للقطار بدوار الحمايدية ببلدية سيدي سعادة . وحرق حافلة للمعمر "بولي" وقد أبدى "سي نورالدين" قدرة كبيرة في تنظيم الجهاد وتكوين الخلايا , وإندمج بسرعة فائقة مع القادة الثوار إذ تدرج في المسؤوليات كقائد ومسؤول عرش وهذا نظرا لما تميز به من دهاء وتخطيط وحكمة وإخلاص . وفي سنة 1957 التي إشتدت فيها الحرب التحريرية وضيق فيها العدو الخناق على الثوار مستعملا أعتى الوسائل وأشدها دمارًا وتخريبًا .... إذ تم إلقاء القبض على القائد "سي خليل" مما أجبر "سي نورالدين" على الإنتقال الفوري إلى منطقة"الونشريس" حيث واصل الكفاح إلى غاية بداية سنة 1959 ثم أستدعي للعودة الى دوار أولاد الشيخ للقيام بمهمة عاجلة , ولما بلغ خبر وصوله العدو قام بتشديد الخناق عليه , مما فرض عليه ورفاقه اللجوء إلى إحدى المخابئ بدوار "قديدة" بلدية القلعة وهي عبارة عن مغارة صنعها الثوار كملجاء عند الشدة ولكن العدو طوق المنطقة وقام بمحاصرتها لمدة ثلاثة أيام كاملة أين عذب السكان وأذاقهم الأمرين , بعدها قام العدو بقنبلة المنطقة حيث أصاب المخبئ وأستشهد من فيه وأصيب "سي نورالدين" بجروح بليغة إثر محاولته الفرار حيث ألقي عليه القبض وأعطيت له الإسعافات الأولية قصد إستنطاقه , وحاول العدو شراء ذمته وإغراءه بترك الثورة وبيع خيوط أسرار الثوار مقابل إرساله إلى المستشفى ومداوته ولكن إخلاصه وتشبعه بمبادئ الثورة جعله يسخر من جلادي المستعمر رغم إصابته البليغة مما أثار غضب وسخط عناصر العدو الذين أفرغوا رصاص رشاشاتهم على صدره وأردوه قتيلا إذ تفحم جسده بمركز " الجندرمة " اي مركز التعذيب وبذلك سقط شهيدًا سنة 1959 حاملا معه سر الثورة والثوار رحمه الله ورفقائه الذين إستشهدوا في المخبئ وهم : - مقدم امحمد ولد بن أحمد السجراري – عون عبد القادر – صوبان سعادة – محمد ولد قويدر السجراري .
في حين واصلا إخوانه بودية عبدالقادر وبودية احمد كفاحهما المسلح إذ أستشهد الأول سنة 1961 بمنطقة "الونشريس" خلال معركة " حامية الوطيس " مع المستعمر , ومع أواخر سنة 1961 إستشهد الثاني بمنطقة " بوقادير " بولاية الشلف وكان يعمل وقتها تحت لواء القائد بن عدة بن عودة المدعو "سي زغلول " .
هكذا إذن قدمت عائلة بودية أبنائها الثلاثة قربانا للحرية والإستقلال الذي ننعم به اليوم , وعبرهذه الذكريات المؤلمة التي أعطت الأمل لهؤلاء الأبطال الذين ركبوا الأخطر في سبيل الأخذ بيد الشعب إلى حياة العزة والسؤدد والكرامة نقول رحم الله شهدائنا الأبرار والمجد والخلود لهم .
ونختم بقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم :" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ...." صدق الله العظيم
ملاحظة : "كل هذه المعلومات أعطيت من قبل رفقاء دربه وإبنه البكر بودية أحمد"
موضوع: سيرة الشهيد بودية محمد المدعو -سي نورالدين- 
