WALID المدير
عـدد مساهـماتـكـ ✿ : 2813 تـاريخـ التسـجيلـ ✿ : 20/02/2009 المـوقـــــ ع ✿ : سيدي سعادة
| موضوع: حلاوة القرب من الله الثلاثاء 9 يونيو 2009 - 18:04 | |
| الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . أيها الأخوة الكرام ، لأحد كبار العلماء مقولة هي : في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، جنة الدنيا هي القرب من الله عز وجل ، ففي الدنيا جنة هي جنة القرب ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة . لذلك أيها الإخوة ، اخترت لكم حكماً من كتاب الفوائد لابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى ، لعلي ظننت أن هذه الفوائد تزيد القرب من الله . أولى هذه الفوائد : يقول هذا العالم الجليل : " من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه . ذلك لأن الإنسان مجبول على حب وجوده ، وعلى حب كمال وجده ، وعلى حب سلامة وجوده ، وعلى حب استمرار وجوده ، هذه جبلة في الإنسان ، قال تعالى :
( سورة الشمس ) . ما معنى : ﴿ سَوَّاهَا ﴾ ؟ يعني جبلها على خصائص . " يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها" . هذه النفس البشرية لا تزال سراً في هذا العالم ، كل الحضارة الغربية تفوقت في معرفة أسرار هذا الجسد ، أما طبيعة هذه النفس فلا تزال سراً من الأسرار ، ففي قوله تعالى : ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ كيف سواها ؟ يعني فطرها فطرة عالية فطرها على حب ذاتها فطرها على حب سلامتها ، فطرها على حب كمالها ، فطرها على استمرار وجودها ، فلذلك العجب من أين يأتي ؟ أنت لا تعجب إن جاءت المقدمات مطابقة للنتائج ، لا تعجب إذا درس الطالب دراسة رائعة جداً ، ثم نال الدرجة الأولى ، لكن تعجب من طالب لم يدرس ، ونال الدرجة الأولى ، تقول : هناك سر ، إما سر طبيعي بإمكاناته العالية ، أو سر احتيالي ، متى تعجب ؟ إن لم تأتِ النتائج وفق المقدمات ، إذاً العجب أن تخالف النتائج المقدمات ، يقول هذا العالم الجليل : من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، تحب أنت الكمال ، والكمال المطلق عند الله عز وجل ، تجب الجمال ، وفي المؤمن حالات لا توصف ، عبّر عنها أحد العارفين بالله ، وكان ملكاً ، إبراهيم بن الأدهم ، ترك الملك ، وتفرغ لمعرفة الله ، فقال : والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف . وأنا أقول لكم أيها الإخوة ، وأرجو الله أن نكون جميعاً كذلك : في نفس المؤمن من السكينة ، ومن الراحة ، ومن التوازن ، ومن الرضا ، ومن التفاؤل ، ومن الثقة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، المؤمن سر من أسرار الله ، لا تنظر إلى شكله الخارجي ، شكله الخارجي كأي إنسان ، لكن ينطوي على قلب موصول بالله عز وجل . لذلك قالوا : مقولة ألف في واحد ، مقولة ألف رجل فصحاء ، بلغاء ، على ثقافة عالية جداً ، على حنكة ، على قدرة بيانية ، على قوة بالمنطق لا يؤثرون كواحد موصول بالله في ألف ، ألف في واحد ليسوا في مستوى واحد في ألف . هناك موضوعات كثيرة في الدين رائعة ، قضايا العلم ، قضايا الفقه ، قضايا ! لكن قضايا القرب ، أن تذوق طعم القرب منه ، أن تذوق حلاوة مناجاته ، أن تذوق الإنابة إليه ، فلذلك الشيء العجيب أن تأتي النتائج مخالفة للمقدمات ، تعرفه ثم لا تحبه . تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيعُ لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمن يحب يطيـعُ فلذلك النفس البشرية أيها الإخوة مجبولة على حب الكمال ، والكمال المطلق عند الله ، ومجبولة على حب الجمال ، وكل ما في الكون من جمال مسحة من جمال الله ، يتجلى الله على بعض الأزهار بالجمال ، تجد وردة ! اللون ! والرائحة ! والنعومة ! شيء لا يصدق ، الله عز وجل تجلى باسم الجميل على هذه الوردة ، وقد تجد طفلاً صغيراً له وجه يأخذ بالألباب وتجلى الله على هذا الطفل بمسحة من جماله ، وقد تجد جبلاً أخضر بعده بحر صافٍ ، وقد تجلى الله على هذه الأماكن باسم الجميل ، فأنت حينما ترتعش إذا واجهت جمالاً فكيف اتصلت بأصل الجميل ، فالإنسان مفطور على حب الكمال ، وحب الجمال ، وحب النوال ، منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، خلقك وأمدك بما تحتاج ، بالهواء ، بالماء ، بزوجة ، بأولاد ، بذاكرة ، بخبرة ، بقدرات ، بمهارات ، لك حرفة ترتزق بها ، لو أن هذا الفكر تعطل ، لو أن هذه الذاكرة فقدتها ، لو أن هذه الحركة حُرمت منها ، لو أن هاتين العينين فقدتا الرؤيا ، فالله عز وجل يجب أن نحبه لأنه أوجدنا من عدم .
( سورة الإنسان ) . ويجب أن نحبه ، لأنه كمال مطلق ، ويجب أن نحبه ، لأنه جمال مطلق ، فمن أعجب العجب أن تعرفه ، ثم لا تحبه ، في تناقض تأتي النتيجة مناقضة للمقدمة ، لكن الأشياء التي تدعو إلى العجب كثيرة . وأن تسمع داعيه ، ثم تتأخر عن الإجابة ، الله عز وجل يدعونا دعوة بيانية ألطف دعوة ، وأنت معافى صحيح ، في أهلك ، في أولادك ، تستمع إلى خطبة ، إلى درس ، تقرأ كتابًا ، تقرأ موضوعًا ، تفتح المصحف ، تقرأ كتاب سيرة ، أو كتاب حديث شريف ، الله عز وجل يدعوك دعوة بيانية ، وينبغي أن تستجيب .
( سورة الأنفال الآية : 24 ) . فإن لم تستجب فهناك دعوة أخرى :
( سورة السجدة ) . إما أن تستجيب وأنت معافى في أهلك وأولادك ، وإما أن تخضع لأسلوب أشد ، الطبيب يقول أحياناً : هذا الالتهاب في المعدة قضية خطيرة ، لكن يمكن أن تشفى بالحمية ، وإلا بعملية جراحية ، أنت مخير ، فإما أن نستجيب طواعية ، وإما أن نخضع لمعالجة قاسية ، ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ . وهناك حالة ثالثة النجاح فيها نسبته قليلة جداً ، الإكرام الاستدراجي :
( سورة الأنعام الآية : 44 ) . وحالة رابعة ، والعياذ بالله القصم :
( سورة الأنعام الآية : 44 ) . فبين الدعوة البيانية ، وبين التأديب التربوي ، وبين الإكرام الاستدراجي وبين القصم ، فالبطولة أن نستجيب لله إذا دعانا لما يحيينا . إذاً : ومن العجب أيضاً أن تسمع داعيه ، المؤذن يدعو إلى الصلاة ، والخطيب يدعو إلى طاعة الله ، وأي مدرس ديني في الجامع يدعوك إلى الصلح مع الله ، وأن تسمع داعيه ، ثم تتأخر عن الإجابة ، لذلك ورد في بعض الآثار : " هلك المسوفون " . غداً وبعد غدٍ ، حتى أنهي الدراسة ، حتى أؤسس هذا العمل ، حتى أتزوج ، وهناك آمال تلو آمال لا تنتهي ، تنتهي الحياة ولا تنتهي ، اذهب إلى مقبرة ، صدق أن كل هؤلاء الذين في القبور هناك أعمال كبيرة جداً ماتوا ، ولم يحققوها ، أبداً ، الإنسان يحقق كل شيء مستحيل . الآن : وأن تعرف قدر غضبه ، ثم تتعرض له ، يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ الله عز وجل أحياناً يغضب ، وغضب الله مخيف ، كان عليه الصلاة والسلام يقول : (( اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن جميع سخطك )) .
[ أخرجه مسلم من حديث ابن عمر ] . يكون الإنسان بأعلى درجة من الصحة والقوة ، فجأة خثرة بالدماغ ، أصبح مشلولاً ، قد يأتي التأديب فوري ، ((أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن جميع سخطك )) ، وأن تعرف قدر غضبه ، ثم تتعرض له ، أنت في بحبوحة ما دمت في طاعة الله .
( سورة الأنفال الآية : 33 ) . وأنت في بحبوحة إذا استغفرت ، أنت في بحبوحتين ، أنت في مأمنيين ، أنت في فرصتين ذهبيتين ، إما أن تكون مطبقاً لمنهج الله ، وإما أن تستغفر ، وتعود إلى الله عز وجل . ومن أعجب العجب أيضاً : أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ، زلت قدمك ، أخطأت ، تشعر بالبعد ، بالجفاء ، بالحجاب ، أثقل شيء عليك الصلاة .
( سورة البقرة ) . فحينما يقع الحجاب بينك وبين الله تتألم ألماً لا يوصف ، ولا يعرف ما نقول إلا من اقتفى أثر الرسول ، لذلك قال شاب سمع من شيخه أن لكل سيئة عقاباً ، زلت قدمه ، أخطأ ، فشعر بالبعد ، وطال هذا البعد ، ثم ناجى ربه ، قال : يا رب ، هو سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، فبحسب كلام الشيخ هو ينتظر العقاب ، انتظر يوما ، يومين ، أسبوعا ، أسبوعين ، لا شيء ، لا بصحته ، ولا بأولاده ، ولا بزوجته ، ولا بسيارته ، ففي أثناء المناجاة قال : يا رب ، لقد عصيتك فلم تعاقبنِي ، فقع في قلبه : أن يا عبدي ، لقد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ فهذا الذي يدعو للعجب أيضاً ، أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ، ثم لا تطلب الأنس بطاعته . وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه ، أحياناً يجلس أناس يتحدثون في أمور الدنيا ، ما من خبر سار ، ينتهي المجلس ، ولا يستطيع الحاضرون أن يقفوا ، أخبار كلها سيئة ، ما من أمل بحسب المنظور البشري ، الأمور كلها لغير صالح المسلمين ، الأمور على أشد ، ما من يوم إلا والذي بعده أشر ، فإذا لم تتحدث عن ربك ، ولم تنقل اهتماماتك إلى الآخرة ، الدنيا تغر وتضر وتمر . يقول عليه الصلاة والسلام : (( بادروا بالأعمال الصالحة ، ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً ، أو فَقْراً مُنْسِياً ، أو مَرَضاً مُفْسِداً أو هَرَماً مُقَيِّداً ، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال ، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ والساعة أدهى وأَمَرّ )) .
[ رواه الترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ] . وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه ، والحديث عنه ، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته . فلو شاهدت عياناك من حسننا الذي رأوه لمـــــــا وليت عنا لغيرنا ولـــــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثـياب العجب وجئتنا ولـــــو ذقت في طعم المحبة ذرة عـذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه ، إذا تعلقت بغيره شعرت بالوحشة ، ما سوى الله لا يعطيك شيئاً ، ما سوى الله لا يدمك بالسعادة ، لا يمدك بالأمن ، لا يمدك بالراحة ، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه ، والإنابة إليه ، لكن أعجب العجب في هذه الأشياء التي تدعو إلى العجب ، وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه ، وأنك أحوج شيء إليه ، وأنت عنه معرض ، وفيما يبعدك عنه راغب ، أن ترى طريق السعادة ، وتسلك طريقاً آخر ، أن ترى طريق الأمن وتسلك طريق الخوف ، أن ترى طريق السلامة وتسلك طريق العذاب ، أن ترى طريق الراحة وتسلك طريق الشقاء ، هذا من أعجب العجب .
و [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|