عنــــــــــــــــــــدما لا يصب النهر في البحر

عادة يندفع الماء من منبع ما عبر ساقية تؤدي إلى نهر والذي يؤدي بدوره إلى البحر

نقطة التقاء هذين الأخيرين ترسم مفترقا يعرف بالدلتا.

هذا هو الشيء المتعارف عليه وهكذا هي الضرورة الطبيعية.... كذلك الضرورة

البيداغوجية، فمنبع المعرفة لدى الطفل عقله الذي يوجه من قبل الوالدين بالدرجة

الأولى ثم المجتمع و الذان يعتبران الوسيلة التي تعنى بتمهيد الطفل ريثما يلتحق

بالمدرسة الابتدائية أين يبدأ مسيرته عبر نهر الثانوي مرورا بساقية المتوسط

ووصولا إلى دلتا الباكالوريا...

أقول كل هذا من أجل التمهيد للوصول إلى الدلتا.... أسميها كذلك لأنها تعتبر

مفترق طرق ذو شطرين، أحدهما بيداغوجي والذي يكمن في اختيار الطالب للشعب

التي يرغب في ممارستها، والآخر بسيكولوجي والذي يتمثل في اختيار الطالب لنمط

حياته الجامعي.

لطالما وجد المتحصل الجديد على البكالوريا نفسه أمام خيارات أخرى غير خيار

مواصلة النمط البدائي لحياته، فتنبثق لديه عقلية أخرى تشبه عقلية التفتح

والمراهقة والإحساس المفرط بالحرية والدنو من تحقيق الأحلام.. أقول أحلام لأنّ

تطلعات مجمل الطلبة حتى لا أقول كلّهم نحو مستقبل "حُلُمي" تنجلي منذ الوهلة

الأولى... منذ الإعلان عن نتائج البكالوريا.

تطلعات أقل مايقال عنها معقولة، فتجد الطالب حين ولوجه الجامعة يتطلع لتكوين

عالي لطالما آمن به عوض هدر الوقت في تكوين إعتباطي بإمكان العصامية أن تنجب

ماهو أرقى منه، وبمرافق جامعية ليست خيالية في أوربا لطالما شاهدها في

التلفزيون ، وبكوادر ترقى إلى هذا المسمى عوض أشخاص يجري خلفهم...

ربّ الجري

يؤتي نقاطاً، وبشلة رفاق يقضي رفقتهم وقت الإستراحة، يكون فراقهم تحت وقع

"سوف أتركك صديقي لأنني مضطر لحضور المحاضرة" بدل عبارة

"أتركك صديقي لأنني مرتبط بموعد مع فلانة...."

يتطلع الطالب في بادئ الأمر إلى تغيير الأجواء كي تعطيه دافعا ونفسا جديدا

بغية مواصلة المشوار، يتطلع الطلبة والداخليون منهم إلى الإبتعاد عن

أجواء العائلة من أجل خلق أجواء جديدة رفقة مجتمع يحمل نفس الرسالة

ويبتغي نفس الهدف فيسجّل في الإقامة الجامعية ظناً منه أنها توفر له

ما ابتغى بيد أنّ هذه الأخيرة تجره إلى الدرك الأسفل، إلى أسفل ما كان يتخيل،

إلى السذاجة المحتومة....

يظن في بادئ الأمر أنه سوف يضمن عيشا كريما يضمن له بدوره جوّا مثاليا

من أجل تحصيل علمي أمثل ويغفل عن رؤية أخرى تُجسد على أرضيات

إقاماتنا الجامعية...

في غرفها... في مطاعمها... وحتى في مساجدها ومكتباتها، كذلك في دهاليز

المعاهد وفي أدراج قاعات المحاضرات وحتى في النوادي والحدائق وفي مهب الرياح.

لطالما اعتزم الطالب إلى رحلة جامعية تشتهيها السفن، لكنه يجد نفسه سبّاحاً

ماهراً ضدّ التيّار.... حينها ينحرف النهر ليصبّ ماءه في العفن.