لحــــــــــــاجة في نفس الجــزائري ـــــــ يقلـــ م ـــي

ذات يوم قررت أن أقتني مواد بناء بغية ترميم غرفة نومي ففعلت ذلك في ظرف قياسي حيث جلبت

كل من الإسمنت والرمل وبعض المعدات المصنوعة من الجبس وكذلك البلاط…..

طبعا لم أكن لأفعل ذلك لو لم أجد من التبعات ما يعجّل قيامي بإقتناء تلك المواد… وليتني

مااقتنيتها…. لأنني منذ نعومة أظافري أكره أشغال البناء والترميم وماينجرّ عنها من تبعات.

منذ أن كنت لا أولي إهتماما لأكياس الإسمنت وماتسببه من هلاك في الجيوب…. منذ أن كانت

تعجبني رمل البناء برودته فألعب رفقة الأصدقاء بفلوس أبي التي صرفها على الأتربة….

كنت أمقت أشغال البناء والترميم حين ذلك…. فكيف بي الآن حين صارت يدي اليمنى لاتفارق

جيبي؟

كل ذلك يهون .... لكن حينما أتذكر وجوب تجسيد مشروعي أكره اليوم الذي فكرت فيه في

تجهيز وتغيير ملامح غرفة نومي... كل ذلك لأنّ والدتي لازالت لحد الآن تعمل عمل رئيس

البلدية حين يعكف على تحويل حياة المقاول إلى جحيم بغية الإسراع في إتمام المشروع...

لازالت والدتي تُسمعني كل صباح نفس الكلام... كلام يجعل شيئا ما يراودني... يهمس لي

ويقول.... لما لا تتراجع وتعدل عن مشروعك ؟.... ويبقى المشروع معلقا إلى أجل غير

مسمى..... يحدث كل هذا معي، علما أن المشروع يخصني وأنني المسؤول عنه وأنّ الإسراع

في إنجازه لصالحي وأنه لن يسلب مني نصف حياتي، بل هي أيام معدودات....

لكنني.... لازلت أتماطل.... لا أعلم لما؟.... أنا أتحدث إليكم الآن وأعلم أنني مماطل،

لكنني لازلت أتكاسل.... لحاجة في نفسي.

كتبت كل هذا لأنني على طول الأيام وعلى طول الطريق، أرى مشاريعا... أرى مقاولين وأرى

أحجار أساس إهترأت .... ونال منها التعب ..... ونال من الناس اليأس .... وتيقنوا.

أنّ هذا المشروع سوف يسلم في آجاله "الغير مسماة" ..... تيقنوا أنّ الوقت قد حان بأن ينجبوا

الكثير من الأبناء حتى يتسنى لهم رؤية أحجار الأساس تتحول إلى منصات تدشين.. يرونها

بأعين أبنائهم..... حتى يتسنى لهم رؤية فريق مولودية وهران يلعب على أرضية ملعب

بئر الجير ويضمنوا أنّ أبناءهم سوف يركبون ترامواي وهران من أجل الإنتقال من الإقامة

الجامعية "المتطوع" إلى القطب الجامعي "مثلما يسمى" بدوار بلقايد.

حتى يتسنى لهم ...عفوا لأبنائهم رؤية المنتخب الوطني يلعب بمحترفين في الأندية الجزائرية

في المركب الرياضي بمدينة سطيف وأن يتسنى لهم مشاهدة المباريات في مدرجات لاتبعد عن

اللاعبين بكيلومترات حينها لن يكلم المرؤ أخيه المتواجد في البيت ليستفسر عن مسجل

الهدف؟...

حتى يتسنى لهم الإستغناء عن سياراتهم حين الوصول إلى العاصمة والتحول إلى الأنفاق من

أجل تجنب زحمة الشوارع.

و حتى يتسنى لهم إستعمال الطريق السيار من الشرق إلى الغرب دون إصطحاب "كاسكروط"

ودون التفكير في ملأ خزان الوقود حتى آخره....

أو على الأقل حتى يتسنى لهم رؤية مشروع ينجز حتى وإن كان بوتيرة تتوازى و رحلة

السلحفاة ويتحقق دون توقف الأشغال لأسباب لا يعلمها إلا من يرى مافي الصدور.....


أقول كل هذا لأنني لم أجد تفسيرا "لسلحفة" تجسيد المشاريع في الجزائر... ولا حتى أصدقائي...

هم كذلك لم يجدوا التفسير.

لكنني وجدت أخيرا التفسير عندما قررت في يوم من الأيام أن أصلّح وأعيد هيكلة غرفتي....

عرفت أن والدي الجزائري لو هيكلها كما ينبغي ذات يوم ولو لم يتوقف مشروعه عند باب غرفتي

لما تحوّلت في يوم من الأيام إلى إنسان جزائري يضع حجر الأساس ثم يهجره دون رجعة.

عندها بلغني أنّ مشاريع الدولة الجزائرية لطالما توقفت .... لحـــــــاجة في نفس الجزائري